{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
قال المصنف -رحمنا الله وإياه-: (وأمَّا الزكاة فإن كان مانعها ممن لا شوكة له،
أخذها الإمام منه قهرًا، ونكله بأخذ شيء من ماله؛ لقوله ﷺ: «وَمَنْ مَنَعَهَا
فَإِنَّا آَخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِه» ، الحديث، وإن كانوا جماعة ولهم شوكة، وجب
على الإمام قتالهم حتى يُؤدوها للآيات والأحاديث السابقة وغيرها، وفعله أبو بكر
والصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-.
وأمَّا الصوم فلم يرد فيه شيء، ولكن يُؤدبه الإمام ونائبه بما يكون زجرًا له
ولأمثاله، وأما الحج فكل عُمُرِ العبد وقت له، لا يَفوت إلا بالموت، والواجب فيه
المبادرة، وقد جاء الوعيد الأخروي في التهاون فيه، ولم ترد فيه عقوبة خاصة في
الدنيا)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين، أمَّا بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم من أهل العلم العالمين
العاملين، وأن يرزقنا الإخلاص والتوفيق يا رب العالمين، وأن يغفر لنا ولوالدينا
ولجميع المسلمين.
لَمَّا ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- حكم تارك الصلاة تكاسلا، أردف ذلك ببقية
الأركان التي تعقبها وتتلوها، وكما ذكرنا لكم أنها وإن استوت هذه في كونها أركانًا،
فلا يعني ذلك أن تتساوى في كل الأحكام، ولذلك فَصَّل المؤلف -رحمه الله تعالى- ما
يتعلق بكل ركن منها، ما يتعلق بحكمه ومنزلته من جهة: الحكم بالكفر للتارك تهاونا من
سواه، ولذلك قال المؤلف -رحمه الله-: (وأمَّا الزَّكاة فإن كان مانعها ممن لا شوكة
له، أخذها الإمام منه قهرًا) يعني: أنه من جهة: لا تكثير لتارك الزكاة في ذلك، وهذا
ظاهر في الحديث الذي في الصحيح، فإنَّ النبي ﷺ لَمَّا ذكر عقوبة من لا يزكي، قال:
«ثمَّ يَرى سبيلَهُ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النَّارِ» ، فدلَّ ذلك على أن
تارك الزكاة لا يكفر بها.
فإذا تقرر ذلك، فإن هذا لا يعني التهاون بها، ولهذا فإنها لَمَّا كانت من شعائر
الدين العظام، فإن الإمام يستدرك من أراد أن يتهاون بها، فيجبيها منهم، ويأخذها
منهم قهرا، وربما نكله بأخذ بعض ماله، كما جاء في بعض الأحاديث، «وَمَنْ مَنَعَهَا
فَإِنَّا آَخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِه» ، قال أهل العلم: وإن كان في هذا الحديث
مقال، إلا إنهم جعلوه من التعزيرات المالية، وأيدوه بما جاء فيها من الروايات.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- حالاً أخرى لمانع الزكاة، وهو أن يكون منهم امتناع
ولهم شوكة، فهذا ينتقل من كونه تهاونًا في أداء الشعيرة، إلى تمال واتفاق على
تركها، وإذا ترك قوم شعيرة من شعائر الدين العظام، فإنهم يقاتلون على ذلك بإجماع
أهل العلم، سواء كان ذلك في الزكاة، أو كان ذلك في الآذان أو نحوها، مما جاء به
الشرع بوجوبه على وجه الوجوب العيني، أو على الوجوب الكفائي كما في الأذان.
ثم ذكر المؤلف- رحمه الله تعالى- المتهاون بالصوم، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(وأما الصوم، فلم يرد فيه شيء) يعني: من جهة عقوبة خاصة كما ورد في الزكاة، وإلا
فإنَّ المؤلف -رحمه الله تعالى- قد سردها على بيان أنها ليست كالصلاة في أن تاركها
تهاونا يُحكم بكفره، وذلك باعتبار ما جاء عن الصحابة، أنهم ما كانوا «يرَوْنَ شيئًا
مِن الأعمال تَرْكُه كُفْرٌ غيرَ الصَّلاةِ» ، فدلَّ ذلك على أن تارك الصوم لا يكفر
في أشهر الروايتين عن أحمد، وإن كان فيه رواية أخرى بالتكفير بجميع هذه الأركان
باعتبارها أركانًا.
ثم قال: (ولكن يؤدبه الأمام أو نائبه بما يكون زجرًا له ولأمثاله)، وهذا لا شك أنه
من الأمر بالمعروف، ومن حمل الناس على الخير، وهذا من الواجبات التي تتعين على من
وَلُوا ذلك، سواء كان الإمام الأعظم، أو من جعل له ولاية شرعية كالقضاة، أو ولاية
خاصة في الأمر والنهي، كالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ونحو ذلك.
قال: (وأمَّا الحج، فكل عمر العبد وقت له) يعني: لَمَّا كان الحج يؤمر به على سبيل
الوجوب، ويحمل العبد على سبيل الاستعجال، لكن كل شخص له عوارض، وهذه العوارض منها
ظاهر ومنها خفي، فلما لم يظهر القدرة على أن هذا متهاون، أو أنه غير قادر، أو أنه
لا يوجد ما يحول بينه وبين الحج، فإن ذلك يمنع أن تُلحق به العقوبة، أو أن يُؤخذ
بترك هذه الشعيرة ويعاقب عليها، فبناء على ذلك: لا يظهر أنه تارك للحج تهاونًا، لأن
العوارض التي تعرض بين الإنسان وبين الحج كثيرة.
ولكن لا شك أن المتهاون في ذلك معرض نفسه للعقاب، ولترك شعيرة من شعائر الدين
العظام، وهي تبقى في ذمته، وتخرج من ماله، ويحاسب على ذلك؛ لأنه لو لم يكن يحاسب
على ذلك لَمَا كان لوجوبها فائدة، والله -جل وعلا- يقول: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران:97]، فلمَّا كان ذلك
واجبًا، كان التارك له تهاونًا في معرض الوعيد، وتعرض للعقاب والعذاب يوم القيامة.
{قال -رحمه الله-: (ما هو الإيمان؟
الجواب: الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب، واللسان، والجوارح، يزيد
بالطاعة، وينقص بالمعصية، ويتفاضل أهله فيه)}.
سبق معنا أنَّ الإسلام والإيمان هما: اسمان أحدهما يتعلق بالأعمال الظاهرة، والآخر
بالأعمال الباطنة، ومع ذلك لا ينفك أحدهما من الآخر، ولذلك إذا أُطلق أحدهما شَمِلَ
الآخر، فإذا اجتمعا دلَّ كل واحدٍ منهما على المعنى الخاص، فالمؤلف -رحمه الله
تعالى- أراد أن يبين تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة باعتبار التعريف الخاص،
فقال: (الإيمان قول وعمل) وذلك تعبير ظاهر ومتداول عند كثير من السلف، وأيضا
يُعَرَّف بأنه: "قول القلب واللسان، وعمل القلب، واللسان، والجوارح"، وهذا هو تعريف
أهل السنة والجماعة، سواء قيل: "قول وعمل" أو قيل: "قول القلب واللسان، وعمل القلب
واللسان والجوارح" أو قيل: "اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان"، فكلها
مُتقاربة في الدلالة، وحقيقة ذلك أن الإيمان لا ينفكُ عن هذه الأركان الثلاثة، ولا
يتصور إيمان صحيح على وفق ما جاءت به أدلة الكتاب والسنة، وفهمه سلف الأمة، وتتابع
عليه أهل السنة والجماعة، إلا بتحقيق هذه الأركان الثلاثة.
فلا بد اعتقاد، فمهما قال الإنسان، وأظهر، أو شهد، أو أعلن، أو بَيَّنَ، ولو تبع
ذلك ما من الأعمال ما عمل، فإن لم يكن في قلبه اعتقاد باطن، فإنه لا إيمان له،
فإذًا لابد من الاعتقاد الباطن، لابد من اعتقاد الجَنَان.
والاعتقاد من العقد، باعتبار أنه ينعقد عليه القلب فلا ينفك، كالعقدة إذا عُقِدَ
بها الحبل، فإن العقدة إذا عُقِدَت في الحبل لا تنفك، فكذلك ما ينعقد عليه القلب من
هذا الاعتقاد لا ينفك ولا يتحول، ولا ينقص ولا يتردد، فهذا هو اعتقاد القلب، فالقلب
هو اعتقاد وعمل، وعمل القلب هو بما جاء من أعمال القلوب، كالخوف، والحب، والرجاء،
والتوكل، فكل ذلك من أعمال القلوب، ولا يَتم إيمان العبد إلا بذلك، كما قال الله
-جل وعلا-: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة:51]، فمن لم
يتوكل على الله فليس بمؤمن، ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175]، فذلك وما في معناه دالٌ على أعمال القلوب، فمن هذا
أخذ أهل السنة والجماعة أن الإيمان لا بد فيه من اعتقاد القلب وعمله، وقول اللسان،
وهو أن ينطق بذلك، فمهما انعقد عليه القلب، ولم يلفظ العبد بالشهادتين، فلا إيمان
له، ولذلك النبي ﷺ أمر كل من صَدَّقَ به أن يشهد، أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا
عبده ورسوله، وبذلك يدخل في الإيمان، ويكون من أهل الإسلام، ويفارق ما كان عليه من
الشرك وعبادة الأوثان.
وبناء على ذلك، لا بد من قول اللسان.
(وعمل بالأركان) أي: عمل الجوارح، فلا إيمان دون عمل، وهذا هو المستقر عند أهل
والجماعة، خلافا لأهل الأهواء والضلالات، من المرجئة ومن سواهم، فإن الله -جل وعلا-
قال: ﴿أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام:158]، فلم يكن ليستقر
إيمانه حتى يَكتسب فيه الخير، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾
[البقرة:143]، وهذه نزلت في الصلاة، فلمَّا سَمَّى الصلاة إيمانًا؛ دلت على أنها
جزء منه، فكل جزء منه هو أصلٌ فيه، ولا يُتصور فكاكه منه، ولذلك جاء في الحديث:
«الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ،
وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ» ، فكما أنَّ الاعتقاد بأنه "لا إله إلا
الله" من الإيمان، بل كذلك ما يكون من الأعمال داخل فيها.
ولهذا استقر قول أهل السنة والجماعة على ذلك، وفارقوا أهل الأهواء والضلالات،
ويقابلهم المرجئة من الجهمية، والذين قالوا: "هو قول" حتى ولو لم يكن معه اعتقاد،
فعلى هذا يكون من قال: "لا إله إلا الله" ولو لم يعتقد، فيدخلونه في الإسلام.
والطائفة الأخرى التي جعلت الإيمان مجرد اعتقاد، فعلى قولهم يحكم بإيمان إبليس
وفرعون، وذلك لا يُتصور، وقد ذكر الله -جل وعلا- كفرهم في كتابه، آيات تتلى إلى يوم
القيامة، فعُلِمَ أن قولهم قولَ ضلال، وأنهم خالفوا صريح القرآن، وما دلت عليه آيات
النصوص والبيان، وما جاء عن النبي ﷺ.
وبناء على ذلك قال أهل السنة: لابد من أن يكون قول وعمل واعتقاد.
وأيضا يخالف في ذلك الأشاعرة الذين جعلوا العمل مكملا من مكملات الإيمان وليس جزءا
منه، وهذا ليس بصحيح، فإنَّ أهل السنة والجماعة فارقوا في هذا الخوارج، ومرجئة
الأشاعرة ومن في حكمهم، فلم يجعلوا التكفير بأي كبيرة كالخوارج، ولم يجعلوا الإيمان
يمكن أن يُتصور بدون عمل، فجنس العمل لا بد أن يكون موجودا في الإيمان، يعني: لا
يُتصور إيمان إلا بعمل.
أمَّا التكفير بالأعمال فبحسب ما جاء به النص، فإذا جاءنا النص بتكفير تارك الصلاة
تهاونا، فيمكن أن يقال به لِمَا جاء به النصر، فلا نقول: فاعل الكبيرة يكفر، أو في
منزلة بين منزلتين كما هو قول المعتزلة! بل نحن نقول: جنس العمل لا بد منه، لِمَا
جاء في آيات كثيرة في كتاب الله -جل وعلا-، ولا يتصور إيمان عبد بدون عمل، فمن ترك
جنس العمل لم يتحقق إيمانه، ومن عمل أعمالاً وترك أخرى فلا نقول كالخوارج: إنَّ
فاعل الكبيرة كافر ونحو ذلك، بل يقال: إن ما جاء الشارع بتسميته كافرا بذلك العمل
كما في الصلاة، فيمكن الحكم بذلك على وفق ما جاءت به النصوص، ونصَّ عليه أهل العلم،
لا من جهة التكفير بالعمل على الإطلاق في الكبائر، كما هو قول أهل الضلال.
ولذلك كان العلم بهذا التعريف وضبطه، من أعظم ما يقوم عليه إيمان العبد، ويسلم به
معتقده، ويكون على سَنَنِ السلف الصالح، على طريقة أهل السنة والجماعة.
ثم قال المؤلف -رحمه الله-: (ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) وهذا دلَّتْ عليه
دلالات الكتاب في آيات كثيرة، ودلالات السنة، فإن الله -جل وعلا- قال:
﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح:4]، فَجَعَلَ أهل الإيمان
يتفاضلون، وعلى ذلك دَلَّتْ السنن والأحاديث، «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي
وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ
حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ» ، فدلَّ ذلك أيضًا على أنه ينقص، وإذا نقص يُفهم من
ذلك أنه يزيد.
ولَمَّا أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، والناس يتفاوتون في هذه الأعمال، فمقتضى ذلك
أنهم يتفاوتون في الإيمان.
{قال -رحمه الله-: (ما الدليل على كونه قولا وعملا؟
الجواب: قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ
وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات:7] الآية، وقال تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ﴾ [التغابن:8]، وهذا معنى الشهادتين اللتين لا يدخل العبد في الدين إلا
بهما، وهي من عمل القلب اعتقادا، ومن عمل اللسان نطقا، لا تنفع إلا بتواطئهما، وقال
تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة:143]، يعني: صلاتكم
إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة، سَمَّى الصلاة كلها إيمانًا، وهي جامعة لعمل
القلب واللسان والجوارح، وجعل النبي ﷺ الجهاد، وقيام ليلة القدر، وصيام رمضان
وقيامه، وأداء الخمس وغيرها من الإيمان، وسئل النبي ﷺ: "أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟"
فَقالَ: «إيمَانٌ باللَّهِ ورَسولِهِ» )}.
كما ذكرنا أنَّ هذا شروع من المؤلف -رحمه الله تعالى- في الاستدلال على ذلك، وهذا
أصل عند أهل السنة والجماعة، أنَّ تقرير هذه المسائل ليس مَرَدُّه إلى ما انقدحت به
العقول، أو آراء الرجال، بل هو نظرٌ فيما دلت عليه النصوص، واستقراءٌ لِمَا جاءت به
الآيات والأحاديث، فإنا لا نقول من عند أنفسنا، ولا نحكم الشرع بأهوائنا.
ولذلك قال: (ما الدليل على أنه قول وعمل؟) لِيُعْلَم بذلك أنَّا لا نقول شيئا من
عند أنفسنا، ولا نُنَظَّر عليه بمقدمات عقلية، ولا بأدلة منطقية، ولكنَّ ذلك دلالة
الكتاب والسنة، وهي أسلم ما تكون من أن يأتي عليها معارض، أو أن يُقدح فيها بقادح،
قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي
قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات:7]، فكان ذلك من أعمال القلوب، فالمحبة وحب الله -جل وعلا-،
وحب رسوله ﷺ، وحب أهل طاعته، وما جاء في ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، فإنما مبدأ ذلك
ما ينعقد عليه القلب.
وقال الله -جل وعلا-: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التغابن:8]، وحقيقة
الإيمان والإقرار مع التصديق، ولا يتأتى ذلك إلا نطقًا وقولاً، مع ما يكون مستقرًا
في القلب، من: الطمأنينة، والتصديق، ولذلك كان عند أهل السنة والجماعة أن حقيقة
الإيمان في اللغة هو: التصديق مع الإقرار، والطمأنينة بذلك، كما ذكر ذلك ابن تيمية
-رحمه الله تعالى-، فليس مجرد تصديق، بل هو مع ما يكون فيه من الإقرار والطمأنينة
بذلك.
وفي هذا يفهم معنى التفاضل، وحتى التصديق، فبعض الناس يُصدق بالخبر، ولكن تصديق هذا
ليس كتصديق الآخر، بمعنى: لو قيل لك: إنَّ فلانًا ذهب إلى مكة، فأنت صدقته، والثاني
صدق، ثم قال آخر: أنا رأيته قبل أمس في الرياض، فأحدهما قد يحصل عنده شك، في أنه قد
ذهب، والآخر قد يبقى على يقينه، مما يدل على أنَّ هذا التصديق لا يكون على درجة
واحدة، وهذا معلوم وظاهر.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- الاستدلال بالصلاة ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ
إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة:143]، وأنها نزلت في صلاة المسلمين لَمَّا كانوا يصلون إلى
بيت المقدس، ثم تحولوا إلى القبلة، فما كان من صلاة سابقة، فإنها مكتوبة في ميزان
حسناتهم، فسماها الله إيمانًا، فدلَّ على أنَّ الإيمانَ يشمل الأعمال، والحديث الذي
ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- لَمَّا سئل النبي ﷺ، أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقالَ:
«إيمَانٌ باللَّهِ ورَسولِهِ» ، فدلَّ على التفاضل في ذلك. فالإيمان أفضلها وأتمها،
ثم يتلو ذلك الجهاد في سبيل الله والصلاة، فَصَدَقَ على أنها داخلة في الأعمال،
وأنها جميعا هي والإيمان شيء واحد بعضها أكمل من بعض، وبعضها شَرطٌ لِمَا يأتي
بعده، وسابق له.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.