{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال المصنف -رحمنا الله وإياه-: (ما هو الشرك الأكبر؟
الجواب: هو اتخاذ العبد من دون الله ندا يسويه برب العالمين يحبه كحب الله ويخشاه
كخشية الله ويلتجئ إليه ويدعوه ويخافه ويرجوه ويرغب إليه ويتوكل عليه، أو يطيعه في
معصية الله، أو يتبعه على غير مرضاة الله، وغير ذلك)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه
وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أمَّا بعد، فأسألُ الله -جلَّ وعلا- أن يجعلنا
وإياكم من أهل مرضاته، وأن يبلغنا طاعته، وأن يُقيمنا على التوحيد والإيمان، وأن
يجنبنا الشرك والضلالة وعبادة الأوثان، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
كنا في المجلس الماضي ابتدأنا ما يتعلق بالكلام على الشرك، وذكرنا أن الشرك هو صرف
ما يستحقه الله -جلَّ وعلا- أو محض حق الله -جلَّ وعلا- لغيره، في إلهيته،
وربوبيته، وأسمائه وصفاته.
وذكرنا أنَّ الشرك إمَّا أن يكون أكبر، وإمَّا أن يكون أصغر، ومرد ذلك إلى جاءت به
النصوص، ودلت عليه الأدلة، وذكرنا أنَّ حقيقة الشرك الأكبر -كما عرفه المؤلف رحمه
الله تعالى- هو اتخاذ العبد من دون الله ندًا يُسَوِّيه برب العالمين، يحبه كحب
الله، ويخشاه كخشية الله -جلَّ وعلا-.
وهنا يشار إلى أن تعريف الشرك الأكبر، ليس على سبيل الحصر والقصر فيما ذكره أهل
العلم، وإنما هو على سبيل التقريب والتوضيح، وحقيقة ذلك أنَّ الشرك الأكبر هو ما
كان فيه تسوية لغير الله بالله في إلهيةٍ، أو في ربوبيةٍ، أو في أسماء وصفات،
فالشرك الأكبر إذًا هو حصول التنديد، أو التسوية، أو تشريك غير الله بالله،
ومساواته بالله -جلَّ وعلا- في عبادة، أو في ربوبية، أو في أسماء أو صفات.
وذكر المؤلف -رحمه الله- ما في الآيات من التعظيم والتشنيع على من أشرك بالله -جلَّ
وعلا-، وأعظمها آية سورة النساء، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:٤٨]، فَعُلِمَ عند أهل العلم
أنَّ الشرك لا يُغفر البتة، وأنَّ صاحبه يُعذب به لا محالة، إلا أن يتوب إلى الله
-جلَّ وعلا- ويعود بالإسلام والإيمان، وإلا كان مُتوعدًا على سبيل التحقيق بالنار
«مَن مَاتَ يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ، مَن مَاتَ لا يُشْرِكُ
باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ» ، أيًا كان هذا الشرك الأكبر، فربما كان ظاهرا
كعبادة الأصنام، والسجود لها، والذبح وغير ذلك، أو كان اعتقاديًا، كأن يعتقد طاعة
غير الله طاعة مطلقة، أو يخافه خوف سر، ويعلم أنه يُحدث به الأشياء، ويُوقع به
البليات، وأنه لا يحال بينه وبين هذا المعبود، فكل ذلك لا شك من خصائص الله -جلَّ
وعلا-، وتسوية غير الله بالله -سبحانه وتعالى-.
فلذلك يكون في الخفي، ويكون في الظاهر، كما أنه يكون بالاعتقاد، كمن اعتقد أنَّ غير
الله يعلم الغيب، ويكون بالأقوال كمن سَوَّى غير الله -جلَّ وعلا- بالله في الدعاء،
فقال: يا عبد القادر، أو يا رسول الله، أو يا الحسين، أو دعاء غير الله ممن هو سوى
الله -سبحانه وتعالى-.
وقد يكون بالأفعال كما قلنا: بطواف بالقبور -لغير الله جلَّ وعلا-، أو سجود للصنم،
أو ذبح لغير الله -جل وعلا-، هذا هو حقيقة الشرك الأكبر، نسأل الله -سبحانه وتعالى-
السلامة والعافية.
ولا يزال المسلم طالبًا السلامة، فإنَّ المرء يُوفق للإسلام والإيمان، فيلهج بذلك
لسانه، وينعقد على ذلك قلبه، ويستقيم على ذلك فعله، ثم ليس بمأمن في أن يقع في
الشرك، أو أن يواقع الكفر بالله -جل وعلا-، ولذلك بَوَّبَ الإمام محمد بن عبد
الوهاب -رحمه الله تعالى- باب الخوف من الشرك، وأعظم ما جاء في ذلك قول الله -جلَّ
وعلا- في دعاء إبراهيم: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾
[إبراهيم:35]، فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم وهو إمام الحنفاء؟! الذي قال الله -جلَّ
وعلا- فيه: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ
يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل:120]، فوصفه الله -سبحانه وتعالى- بأنه على
الحنيفية والإيمان، ومع ذلك سأل الله السلامة من الشرك وعبادة الأوثان، فكان ذلك
دليلا على أنَّ العبد لا يزال في خوفٍ في كل أحواله، ومن أَمِنَ وقع، ومن ظنَّ أنه
بعيد من ذلك، يوشك أن يذل ويهلك، فكان على المرء أن يطلب السلامة، وأن يسأل الله
النجاة، وأن يسلك سبيل أهل العلم والهدى، في أن يعبد الله على بصيرة، ﴿قُلْ هَٰذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يُوسُف:108]، ولا يزال
العبد سالكًا سبيل أهل السنة، داعيًا الله -جلَّ وعلا- السلامة في كل أحواله
وأيامه، حتى يكون في مأمنٍ من ذلك -بإذن الله-، وفي حفظ من الوقوع في البلاء، أو أن
تستذل قدمه، أو أن يقع فيما يكرهه من الكفر بالله -سبحانه وتعالى-.
{قال -رحمه الله-: (ما هو الشرك الأصغر؟
الجواب: هو يسير الرياء الداخل في تحسين العمل المراد به الله تعالى، قال الله
تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:١١٠]، وقال النبي ﷺ: «إنَّ
أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ»، فسئل عنه فقال: «الرِّياءُ» ، ثم فسره
بقوله ﷺ: «يقومَ الرجلُ يُصلي فيُزيِّنُ صلاتَه لما يرى من نظرِ رجلٍ إليه» ، ومن
ذلك الحلف بغير الله، كالحلف بالآباء، والأنداد، والكعبة، والأمانة، وغيرها، قال ﷺ:
«لا تحلِفوا بآبائِكم ولا بأمَّهاتِكم ولا بالأندادِ» .
وقال ﷺ: «لا تقولوا والكعبة، ولكن قولوا ورب الكعبة» ، وقال ﷺ: «وَلَا تَحْلِفُوا
إِلَّا بِاللَّهِ» ، وقال ﷺ: «مَن حَلَف بالأمانةِ فليس مِنَّا» ، وقال ﷺ: «مَن
حَلَفَ بغَيرِ اللهِ فقد كفر أو أشرك» ، وفي رواية: «وأشرك».
ومنه قوله: ما شاء الله وشئت، وقال النبي ﷺ للذي قال ذلك: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ
نِدًّا بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَه» ، ومنه قول: لولا الله وأنت، وما لي إلا الله
وأنت، وأنا داخل على الله وعليك، ونحو ذلك. قال ﷺ: «لاَ تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ
وَشَاءَ فُلاَنٌ؛ وَلكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ» .
قال أهل العلم: ويجوز لولا الله ثم فلان، ولا يجوز لولا الله وفلان)}.
كنا في المجلس الماضي بينا أيضًا أن الشرك إمَّا أكبر وإمَّا أصغر، وقد نطقت بذلك
النصوص، ومن ذلك ما أورده المؤلف -رحمه الله تعالى- أن النبي ﷺ نصَّ على الشرك
الأصغر «إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ» ، فَعُلِمَ أن في الشرك
أكبر وأصغر، والفرق بينهما كما قال أهل العلم: إن الأصغر هو ما جاء في الشرع تسميته
شركا ولكنه لم يبلغ حد التنديد والتسوية بالله -جلَّ وعلا- ما معنى التنديد؟
يعني: أن يُجْعَلَ لله ندًا في عبادة أو توجه وقصد ونحو ذلك، وعُرِّفَ عند بعضهم
فقالوا: ما كان وسيلة للشرك الأكبر، ولم يبلغ حد التنديد، أو ما كان وسيلة إلى
الشرك الأكبر وليس فيه صرف عبادة لغير الله -جل وعلا-.
قال أهل العلم: وهذا أظهر ما يكون في الرياء، يعني: الشرك الأصغر، وفي شرك الألفاظ،
ولذلك أورد المؤلف -رحمه الله تعالى- جملة من الأدلة تدل على ذلك، مثل: (قول ما شاء
الله وشاء فلان) ونحوها، وكالحلف بغير الله -سبحانه وتعالى-، فكل ذلك من شرك
الألفاظ الذي لا يبلغ الشرك الأكبر، فكان داخلا في الشرك الأصغر.
ومثل ذلك أيضا: اعتقاد الأشياء أسبابا وليست كذلك، كاعتقاد أن النجوم سبب لنزول
القطر، أو اعتقاد البركة في حجر أو شجر، وأنها سبب لحصول الخير، وكما يكون من
اعتقاد الشفاء في خيطٍ أو في تميمةٍ ونحوها، فإنَّ ذلك كله من الاعتقاد في الأسباب
أو الوسائل.
ولأجل ذلك قال أهل العلم: إن هذا داخل في اسم الشرك الأصغر ولا يبلغ حدَّ الشرك
الأكبر.
ثم قال أهل العلم: إن الشرك الأصغر إمَّا أن يكون مسمى في النصوص بأنه شرك أصغر،
كما في الحديث الذي معنا: «إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ»، أو أن
يأتي في النصوص تسميته شركا على سبيل التنكيل، كما جاء عن النبي ﷺ أنه قال: «الطيرة
شِرْكٌ» .
قال أهل العلم: إن هذا دال على أنه شرك أصغر، أو أقل أسماء ما يطلق عليه اسم الشرك
بالله -جل وعلا-، أو كذلك ما جاء عن الصحابة أنهم قالوا: إنه شرك أصغر، وهذا مثل ما
جاء أيضا في الطيرة، لَمَّا جاء عن ابن مسعود قال: "وما منا إلا" يعني: يقع في شيء
من التشاؤم والطيرة، ولكنَّ الله يذهبه بالتوكل، وكما قال ابن عباس في قول الله
-جلَّ وعلا-: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة:44]، قال: ليس الكفر الذي تذهبون إليه، يعني: أنه هو في
الأصغر وليس في الأكبر، وهذا الوقوع في مسألة في التحكيم، وأمَّا تبديل الشرع،
وتغيير الحكم على سبيل الإطلاق، فذاك مسألة أخرى، ولأهل العلم فيه أقوال، ليس هذا
محل بيانها.
فإذًا إذا جاء عن الصحابة فيكون كذلك، أو أن تدل أيضا بعض النصوص الحديث على ذلك،
ولذلك لَمَّا قال النبي ﷺ في حديث زيد بن خالد الجهني «أصْبَحَ مِن عِبَادِي
مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ» ، وجاء في بعض الألفاظ أنه قال: «فَأمَّا مَنْ قَالَ
مُطِرنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِنعمتي» أو كما جاء عن النبي ﷺ.
فكل ذلك مما يُعرف به أو يرى به الفرق بين الشرك الأصغر والأكبر، وإنَّ الشرك
الأصغر ليقع فيه المرء فيعظم اعتقاده، فربما وقع أو وصل إلى الشرك الأكبر، فعلى
سبيل المثال: من اعتقد أن هذه البقعة سببًا لحصول البركة، فهذا اعتقاد سبب، فيكون
شركا أصغر، فلو اعتقد أنها تجلب الخير من دون الله -جلَّ وعلا- لكان ذلك شرك أكبر؛
لأنه اعتقد كأنها تمنح الخير كما يمنحه الله، وتعطي العبد كما يعطي الله، وذلك من
خصائص الله -جلَّ وعلا-، فبلغ بها ذلك الْمُعَتَقِدُ الشرك الأكبر.
قال أهل العلم: والشرك الأصغر -كما قلنا في الشرك الأكبر- إنه قد يكون خفيًا، مثل:
الرياء ونحوه، وقد يكون ظاهرًا، مثل: شرك الألفاظ ونحوها، ويكون في الاعتقاد،
كاعتقاد أن في هذا بركة، أو أن لهذا حقا وليس كذلك، وقد يكون بالأقوال كما قلنا في
الألفاظ، وقد يكون بالأفعال كلبس حلقة، وتعليق تميمة، ونحو ذلك.
والشرك الأصغر يتفق مع الشرك الأكبر في كونهما شركا، ويتفقان أيضا في أنهما لا
يُغفران، فالشرك الأكبر بالإجماع، وأما الشرك الأصغر فالأصح عند أهل العلم المحققين
أنه داخل في عموم الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ
مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:48]، فمن وقع فيه يُؤخذ بجريرته، ويحاسب
على عمله، وما وقع فيه من الشرك بالله -جل وعلا-، في أصح القولين، ولكن يخالف الشرك
الأصغر الشرك الأكبر في أنه لا يُخرج من الملة، وأمَّا الشرك الأكبر فهو مخرج من
الملة.
وأنَّ من وقع في الشرك الأصغر فإنه يُعذب ثم يدخل الجنة، وأمَّا من وقع في الشرك
الأكبر فهو خالد مخلد في النار، نسأل الله السلامة والعافية.
{قال -رحمه الله-: (ما الفرق بين "الواو" و "ثم" في هذه الألفاظ؟
الجواب: لأن العطف بالواو يقتضي المقارنة والتسوية، فيكون من قال: ما شاء الله
وشئت، قارنًا مشيئة العبد بمشيئة الله مُسَوِّيًا بها، بخلاف العطف بـ "ثم"
المقتضية للتبعية، فمن قال: ما شاء الله ثم شئت، فقد أقر بأن مشيئة العبد تابعة
لمشيئة الله تعالى، لا تكون إلا بعدها، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا
أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان:٣٠] وكذلك البقية)}.
كما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أن هذا السؤال معطوف على ما تقدم في جواب السؤال
الذي قبله، فيما جاء من الألفاظ، ما شاء الله وشئت، فقال النبي ﷺ: «أَجَعَلْتَني
للهِ نِدًّا؟ بلْ ما شاءَ اللهُ وحْدَه؟» ، وقول النبي ﷺ: «لا تقولوا ما شاء اللهُ
وشاء فلانٌ، ولكن قولوا ما شاء اللهُ ثم شاء فلانٌ» ، فكأنه انقدح في قلب المتعلم
والطالب، ما الفرق بين التعبير بالواو والتعبير بالفاء أو ثم؟
فيقول المؤلف -رحمه الله-: بينهما فرق في الدلالة اللغوية، وبينهما تبعًا لذلك فرق
فيما ينعقد عليه القلب، الذي هو أصل الإيمان، وما ينعقد عليه العبد من الإسلام،
فإنَّ الواو دالة على مطلق التسوية، فإذا قلت ما شاء الله وشاء فلان، فكأنك سويت
مشيئة فلان بمشيئة الله -جل وعلا-، وهذا خطأ، فإن مما يؤمن به العبد في أركان
الإيمان بالقدر على ما سيأتينا، أنَّ الله -جلَّ وعلا- له المشيئة التامة، وأن لا
أحد من العباد ومن الخلق، يعمل عملا ولا يحدث شيئًا، إلا بمشيئة الله -سبحانه
وتعالى-، فكل ما يحدث في هذه الأكوان، هو تابع لمشيئة الله، وما أراده كونًا.
فبناء على ذلك، إذا قلت: ما شاء الله ثم شاء فلان، فكأنك قررت ما يصح اعتقاده،
وأنَّ مشيئة فلان لم تنفرد بالحصول والإرادة، وإنما هي تبع لمشيئة الله -جلَّ وعلا-
وإذنه، لأن يكون هذا حاصل أو أن يكون ذلك واقع.
فإذا كان هذا مما ينبغي أن يلحظه المؤمن الموحد؛ ولأنَّ هذه الألفاظ إذا تلفظ بها
العبد، فإن اللفظ مُنبئٌ عمَّا يستقر في القلب، فلولا أنه إمَّا ظن أن مشيئة غير
الله حاصلة مع مشيئة الله، وذلك كما قلنا: مخالف، وفيه نوع تسوية غير الله بالله.
وإمَّا أن يكون فيها -في أقل الأحوال- أن يكون فيها إعراض عن استحضار أن الله -جلَّ
وعلا- هو المتصرف في الأكوان، وأنه لا شيء إلا بمشيئة الله، وأنه لا يكون شيء إلا
ما كتبه الله -جلَّ وعلا- وقدره.
والقائل بمثل هذا وإن لم يعتقد أن مشيئة فلان كمشيئة الله، إلا أنه قد أعرض قلبه عن
اعتقاد أنَّ الله له التصرف المطلق، وله المشيئة الكاملة، والإرادة التامة، وأن كل
شيء بقدر الله، وإذا وقع العبد في ذلك فهي أول الدرجات التي يتبعها زلة القدم في
الارتكاس في الشرك الأصغر، وما يتبع ذلك أيضا من الوقوع في الشرك الأكبر، والعياذ
بالله -جلَّ وعلا-.
ولا يزال الموحد طالبًا التوحيد على سنن ما جاءت به النصوص، ودلت عليه الأدلة، لا
يجتهد في ذلك بنظره، ولا ينظر في ذلك بعقله، يقول ما الفرق؟ أو لا فرق. أو لا أقصد.
أو غير ذلك، فما نحن إلا أمة الاتباع، وأمة الاقتداء والاستسلام، لِمَا جاء في كتاب
الله، وما جاء عن رسول الله، فهو الهادي إلى توحيد الله، وهو الدال على الإيمان
بالله -سبحانه وتعالى-، ولا تحقيق للتوحيد بكماله، والإيمان بتمامه، إلا بمتابعة ما
جاء عن الرسول ﷺ، وما دلت عليه دلالة القرآن.
أسأل الله -جلَّ وعلا- أن يجعلنا وإياكم من أهل توحيده، المكملين لإيمانهم، على ذلك
يحيون، وعليه يموتون، وعليه يلقون الله -جلَّ وعلا- رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على النبي الأمين.