مكتبـــــة الدروس

2024-03-19 09:38:05

أعلام السنة المنشورة (4)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والمستمعين.
قال المصنف -رحمنا الله وإياه-: (ما دليل الصلاة والزكاة؟
الجواب: قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة:٥]، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البينة: ٥]، الآية، وغيرهم)
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أمَّا بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يبلغنا وإياكم الخير والهدى، والبر والتقوى، وأن يجعلنا على التوحيد قائمين قاعدين راقدين، وأن يُقيم بنا التوحيد والإيمان، وأن يميتنا على ذلك غير مبدلين ولا مغيرين.
لا يزال الحديث في هذه الأسئلة التي كتبها المؤلف -رحمه الله تعالى- الشيخ حافظ الحكمي، فقال -رحمه الله-: (ما دليل الصلاة والزكاة؟) وأدلة الصلاة والزكاة كثيرة، وهما قرينتان في كتاب الله -جل وعلا-، وأشهر ذلك قوله: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، وما جاء في الحديث «أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ»[1]، والأحاديث في ذلك لا حدَّ لها في بيان فرضيتهما، وظهور وجوبهما، وقد انعقد إجماع المسلمين على وجوبهما وفرضيتهما.
وإذا قيل: إجماع المسلمين يعني: أن هذه من الأمور الظاهرة، التي يُجمع عليها جميع المسلمين، فمن أنكر ذلك فقد أنكر شيئًا معلومًا من الإسلام بالضرورة، فيلحق به حُكم الكفر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ في محل جهل وضلالة، وإلا فإن حكمها ظاهر في كتاب الله -جل وعلا-.
{قال -رحمه الله-: (ما دليل الصوم؟
الجواب: قال الله تعالى: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٣]، وقال تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] الآيات، وفي حديث الأعرابي: أخْبِرْنِي ما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فقال :
«شَهْرَ رَمَضَانَ إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا»[2])}. الحديث.
أيضًا ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- دليل فرضية الصوم، وهي ظاهرة في كتاب الله -جل وعلا-، والصيام فرض على ثلاثة أحوال:
أولها: على سبيل التخيير.
ثم فرض على الناس على أنه إذا نام ولم يكن قد طعم فليس له أن يأكل بعد ذلك، فيمسك إلى اليوم الآخر.
ثم خُفِّف على العباد واستقر الحكم على أن يباح لهم في الليل الطعام والشراب، قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة:187]، كما جاء في هذه الآية، وفي حديث ابن صرمة -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-[3].
وهو أيضا من أركان الدين، ومما عُلِمَ من الإسلام بالضرورة، فلا يختلف المسلمون في شرعيته، وفيا فرضيته، فهو معلوم مفروض، وهذا من الأمور الظاهرة البينة.
{قال -رحمه الله-: (ما دليل الحج؟
الجواب: قال الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧]، وقال النبي :
«إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ، قد فرَضَ عليكمُ الحَجَّ فحُجُّوا»[4]، الحديث في الصحيحين، وتقدم حديث جبريل، وحديث «بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ»[5]، وغيرها كثير)}.
كذلك الحج أيضا بما علمت شرعيته وفرضيته، وجاء ذلك في حديث ابن عمر في غيره، وفي قول الله -جل وعلا-: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران:97].
ووجه فرضية الحج بقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾، قال أهل العلم: من تفسيرها أدوها تامتين، يعني: على وجه التمام والكمال.
وعلى كل حال أيضا تكاثرت بذلك النصوص وتواترت، فلا اختلاف في ذلك ولا تردد، وهو من المعلوم من الإسلام بالاضطرار.
وقبل أن ننتقل إلى المسألة التي بعدها، فإن كون هذه أركانًا من أركان الإسلام، كما جاء ذلك في حديث ابن عمر وحديث جبريل وغيره، فإنَّ ذلك لا يعني أنها على حد واحد فيما يتعلق بها، وما يترتب عليها. يعني: أنها تجتمع في كونها أركانا من أركان الإسلام، ولكن لا يعني ذلك أنها متساوية، بل هي أركان بعض أعظم وأكد، فلا اختلاف مثلا: أنَّ الشهادتين لا يُقارنها ولا يُقاربها ركن بعدها؛ لأنَّ بها الدخول إلى الإسلام، والخروج من عبادة الأوثان، ومن الكفر بالرحمن، ولذا لا يتحقق الإيمان إلا بها.
وهذه الأركان تتفاوت، وسيأتي ذلك فيما يذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- من حكم تاركها تهاونًا، ولكن لا بد أن تستقر هذه القاعدة في نفسك، وهو أن ما سماه العلماء أركانًا أو واجبات، فإنها تستوي في اعتبار الوجوب، ولكن قد يتعلق ببعضها حكم أخص من الآخر، ولعل بيان ذلك يكون بالمثال.
على سبيل المثال: من شروط الصلاة رفع الحدث، فلو صلى شخص محدثًا، لوجب عليه اعادة الصلاة؛ لأنَّ الطهارة من الحدث شرط، ولكن أيضًا من شروط الصلاة الطهارة من النجس، فلو كان في بدنه نجاسة أو في ثوبه، فصلى بهذه النجاسة ناسيًا، فهل تلزمه الإعادة أو لا؟
على قولين، مع كوننا لو اعتبرنا أنهما جميعا من شروط الصلاة، والشروط تقتضي التسوية، لقلنا إذًا لزمت الإعادة هنا لمن صلى محدثا ناسيا، أن يُعيد ما صلاه وفيه نجاسة في بدنه أو ثوبه ناسيًا.
ولكن اختُلِفَ في هذه ما لم ما لم يُختلف في الأولى، وتقرير الثانية سيأتي، وصحيح أن المذهب فيه الأمر بالإعادة، ولكن فيه خلاف في المذهب وعند العلماء الآخرين، فمبنى ذلك أنَّ بعض الناس يظن أنَّ العلم مثل القواعد الرياضية، "واحد زائد واحد يساوي اثنين"، فهذا ركن وهذا ركن فيتساويان في جميع الآثار. نقول: لا. هما يستويان في الحكم من حيث اعتبار الركنية، فهي مما جاء الأمر بالوجوب، وتأكد فارتفع حكمها إلى الركن.
ما يترتب على ذلك؟
قد يتفاوت، وقد يكون بعض الأركان آكد من بعض، وقد يكون بعضها فيه تخفيف أو فيه رخصة، ولا يكون فيه شيء آخر.
هذه مسألة مهمة في جميع الفقه، فتنبه لها فإن ذلك يفيدك جدًا.
{قال -رحمه الله-: (ما حكم من جحد واحدا منها أو أقر به واستكبر عنه؟
الجواب: يقتل كفرًا كغيره من المكذبين والمستكبرين، مثل: إبليس، وفرعون)
}.
هذا مسألة عظيمة، وهي من المسائل الكبار، فإنَّ جاحد الشرائع والمكذب بها، مكذب لله ومكذب لرسوله ، ورادٌ لكتابه، وما جاء في سنة نبيه ، فلأجل ذلك كان هذا العمل كفرًا ويكفر صاحبه كما كفر فرعون، فإنه كفر بالجحود، ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل:14]، فكل من جحد الشرائع الظاهرة، وأبى التسليم لها وإثباتها، فقد ساوى فرعون في ذلك، فكان هذا من أعظم أنواع الكفر وأظهرها.
والقول بأن الجحود كفر من حيث الحكم نفسه، وأمَّا إلحاق ذلك بالجاحد فيحتاج إلى أشياء أُخر، فتُنفى عنه الشبهة، وتقام عليه الحجة، وتستكمل الشروط، وينظر في انتفاء الموانع، فلو كان مُكرهًا، أو كان نائما، فإنَّ مثله لا يلحق به الحكم، ولو كان جاهلا ومثله يعذر بالجهل؛ لأن الجهل ليس عذرا على الإطلاق، فإنه لا يلحقه في ذلك تبعة وإن كان فعله جحودًا.
إذًا هذا جحود، والجحود كفر، ثم إلحاق ذلك بالمكلفين يختلف من شخص لآخر، ويناط ذلك بأهله، فليس لآحاد الناس أن يتولوا ذلك، فإنَّ هذا يكون فيه من الخلط، ويكون فيه من الإشكال ما هو كثير جدا.
ولذلك ما فساد الزمان هذا بحصول التكفير، وسباحة الدماء ونحوها، إلا مبدأه تطاول بعض الطلبة في مبتدئ طلبهن على الأحكام العظمى، وإلحاق وصف الكفر بأناس، وسلب الإيمان من آخرين، والحكم عليهم بالكفر والضلال، وترتيب تلك الآثار ومثلهم لا يصل إلى هذه المرتبة، ولا يُقَرُّ له بهذه المنزلة، فحكمه مشوب بكثير من العثرات فيكون بسبب ذلك كثير من الضلالات، وما بلاء الخوارج ومن في حكمهم إلا من جهة هذا الأمر.
ولأجل ذلك هو كافر من جحد، ولكن إلحاق هذا الوصف إنما يكون إلى من يعرف المسائل، ويحسن الفقه، ويصل إلى درجة العلماء الذين يقررون هذه المسائل، ويعرفون ما يتعلق بها.
ومثل ذلك أيضا لو أقرَّ بالصلاة والزكاة والحج واستكبر عنها، ما معنى استكبر عنها؟ يعني قال: أنا لا أجحد أنَّ الصلاة واجبة، أو أن الزكاة واجبة، أو أن الصيام والحج واجب، ولكن لا يلزمني، فهذا ليس بجاحد، ولكنه مستكبر، وهذا كفر أيضًا، وهو كفر الإباء والاستكبار، وهو كفر إبليس كما جاء في الآية، ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:34]، فإبليس ما جحد أن الله رب العالمين، وما جحد أنه يستحق ذلك، ولكنه تَرَفَّعَ عن هذه العبادة، وامتنع من الطاعة، فَلَحِقَ به كفر الإباء والاستكبار، وكل من أبى الشرائع واستكبر عنها، التي استقر حكمها، وظهر ما يتعلق بها من الحكم، فإنه يكون مستكبرا.
هذا في الشرائع الظاهرة، ولكن في بعض المسائل التي يقوى فيها الخلاف، فمثلا إذا اختُلِفَ في مسألة الغناء، فإذا لم يُقر شخص بحرمة الغناء، فإنَّ هذا لا يكون جُحودا، وبالتالي لا يدخل في المسألة الأولى، وإلا لحصل بسبب ذلك بلاء كبير.
ومثل ذلك، إذا جاء إلى مسألة فقال: إن هذه تتعلق مثلا بالمسافر أو بالمقيم ولا تلزمني، فهذه بعض المسائل قد يكون فيها شبهة، فإذا ليس هذا بابه باب الإباء والاستكبار؛ لأن باب الإباء والاستكبار مترتب بعد الثبوت، فإذا ثبت الحكم ثم أبى أو استكبر، فيدخل في ذلك.
وأمَّا الاختلاف في المسألة في تعلقها، ثم تفاوت أقوال أهل العلم في مثل هذه المسألة، لا يعني أن من نحى منحًا من الأقوال المعتبرة عند أهل العلم، أن يكون ذلك مستكبرًا، أو آبيًا، أو رادًا لحكم الله -جل وعلا- ورسوله.
{قال -رحمه الله-: (ما حكم من أقر بها ثم تركها لنوع تكاسل أو تأويل؟
الجواب: أمَّا الصلاة فمن آخرها عن وقتها بهذه الصفة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل حدًا؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة:5]، وحديث
«أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ»[6] الحديث وغيره)}.
قول المؤلف -رحمه الله-: (ما حكم من أقر بها؟) الضمير (بها) راجع إلى: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، فهو أقرَّ بها ولم يستكبر عن فعلها، ولكنه تكاسل في بعض أحواله. فما حكمه؟
المؤلف -رحمه الله تعالى- بدأ بكل واحدة على حِدى؛ لأنَّ لكل واحدة من هذه الشعائر حكمها الذي يخصها، وإن كانت جميعها مستوية في كونها أركانا، ولكن ما جاء في الأدلة فيه تفاوت فيما يتعلق بحكم من تركها تهاونًا.
فأولها: الصلاة، فالصلاة من تركها فإنه يقتل عند عامة أهل علم، ولكن الخلاف هل يقتل كافرًا أو يقتل حدا؟
جمهور أهل العلم على أنه يقتل حدًا؛ لحديث «إني نُهِيتُ عن قتلِ المُصَلِّين»[7]، والحنابلة يرون أن تاركها كافر.
ثم الخلاف بعد ذلك، بِمَ يَكفر تاركها تكاسلا، هل هو بترك فرض حتى يتضايق وقت التي تجمع إليها ولم يصلها، أو بتركها كلها، أو بترك أغلبها؟
فعلى كل حال، الحكم بالكفر في مثل هذه الحال لا يتأتى بمجرد كون الإنسان قد ترك، سواء قلنا: بترك فرضين أو ترك الصلاة وما يجمع إليها، كما هو مشهور المذهب، أو القول كما هو قول جمع من المحققين، وهو ترك أغلب الصلاة أو جميعها؛ لأن هذا هو الذي يتحقق به ترك هذه الشعيرة، فكل ذلك شيء، وإلحاق وصف الكفر بهذا شيء آخر؛ لأنه لا بد أن يُستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
والظاهر أنه لا يمكن لشخص أن يُستتاب ثم لا يتوب وهو يعلم أنه يقتل فلا يصلي، ولأجل ذلك قال أهل العلم: حتى في الصورة لا يتصور إلا أنه إذا لم يصل أو إذا لم يتب إلا أنه كان مستكبرًا آبيًا أو جاحدا، فعلى كل حال هذا هو مشهور المذهب عند الحنابلة، ومع ذلك فالحنابلة يجرون على من تكاسل أو تهاون أحكام الإسلام؛ لأنه مسلم في الظاهر، ولم يتعلق به هذا الوصف حتى يرفع إلى الحاكم، فإذا لم يرفع ولم تُجْرَ عليه هذه الأحكام فالأصل بقاؤه على الإسلام.
لماذا نقول هذه المسألة؟
لأنَّ كثيرًا من الناس يُرَتِّب أحكام الكفر على من رآه تاركًا للصلاة تهاونا في بعض الأحوال، فإذا كان الناس في بلد على غير مذهب الحنابلة، كالشافعية أو الحنفية أو المالكية، والشائع السائد في المذهب هناك أنَّ تاركها أصلا ليس بكافر، فمن أَلحق بهم وصف الكفر، وَرَتَّبَ عليه آثاره، أخطأ من جهتين:
أولاً: أنَّ هؤلاء لا يلزمهم رأيك؛ لأنك قد درست مثلا على المذهب الحنبلي، بل مذهبهم معتبر، وقول فقهائهم له أثر، ولا يُفتات عليهم فيه. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية: إنه حتى لو قلنا: إنَّ هذا بلد يجرى فيه هذه الأحكام، فليس لك أو لي إجراء أحكام الكفر عليه بمجرد أني رأيته تاركا لا تكاسلا، بل لا بد أن يكون ذلك مرفوعا لمن له الولاية، كالقاضي الذي يقوم باستتابته، ثم إلحاق وصف الكفر بعد ذلك.
فما دون هذه الخطوة لا يُحكم بكفره، فإذا كان في أهل مذهب لا يحكمون بكفره، فلا شك أن وصف الإسلام باق في تلك الأحوال كلها، ولأجل ذلك لَمَّا كان بعض الطلاب في بعض البلدان يدرسون أن ترك الصلاة كفر، فإنهم يُسرعون إلى تطبيق ذلك، ويحكمون بترتيب الآثار مباشرة، فيحصل بسبب ذلك بلاء كثير في: الفُرقة، والنُّفرة، والاختلاف، والامتناع من إجراء أحكام الإسلام عليهم، ويحصل بسبب ذلك امتناع الناس عن قبول الدعوة، والهداية إلى التوحيد، ومعرفة ما عندهم من السنة، والاستقامة على الخير، فيحصل بسبب ذلك بلاءٌ كبير.
ولذا ينبغي للطالب أن يعلم الحكم، ومن يتعلق به ذلك الحكم، وإجراء ذلك الحكم، وترتيب آثاره عليه، ثم أيضًا ليس ثبوت الحكم على وجه في بلد أو في مذهب، يعني: ثبوت ذلك في كل مذهب، فلكل أهل بلد مذهبهم، ولهم مندوحة في الأخذ به، وترتيب الآثار حسب ذلك، ولا يُتجاوز في مثل هذا.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والإعانة على الخير والرشاد، وللحديث بقية، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم.
-----------------------------
[1] أخرجه البخاري (2946)، ومسلم (21).
[2] رواه البخاري (1891).
[3] الحديث رواه البخاري عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ: لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾.
[4] أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337)
[5] أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).
[6] أخرجه البخاري (2946)، ومسلم (21).
[7] رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
 

دروس ذات صلة