مكتبـــــة الدروس

2024-03-18 15:11:50

أعلام السنة المنشورة (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
قال المصنف -رحمنا الله وإي-: (ما دليل اشتراط الانقياد من الكتاب والسنة؟
الجواب: قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [لقمان: 22]، وقال النبي ﷺ:
«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»[1])}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين. أمَّا بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم من أهل الإيمان والتوحيد، وأن يجعله ملء قلوبنا وحياتنا، عليه نحيا وعليه نلقى الله -جل وعلا، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وألا يحرفنا عن الإيمان، وألا يُضلنا عن الهدى، إنَّ ربنا جواد كريم.
أيها الإخوة الكرام، بين يدي هذه المسائل التي ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى-، تذكير بأهمية هذا العلم، وهذا الباب فيه، وهو باب التوحيد وتحقيق الإيمان، وتحقيق لا إله إلا الله.
وكلما غُرِسَ في القلب من هذه المعاني، واستقرَّ فيها من هذه الأصول؛ فإنَّ ذلك سبب نجاتها، فإنَّ العلم ليس بكثرته، وإن العلم ليس بالتفنن فيه، وإن العلم ليس بالعلم بدقائقه، وليس شيء أعزّ في العلم من العلم بالله -جلا وعلا- وتوحيده، وتحقيق الإيمان به، وما جاء به الأنبياء والمرسلون، وما يكون به النجاة عند الله -جلا وعلا-، وهو الفيصل في دخول الجنة من النار، والنجاة من العذاب، والفيصل في كون الإنسان مع حزب الله أو حزب الشيطان، ومع المؤمنين أو مع الكافرين.
ولذلك كان حقًا على المسلم أن يتعلم ذلك، سواء كان طالب علم، أو شُغل بالتعليم، أو شُغل بمهنة، أو شُغِل بوظيفة، أو كانت ربَّة بيت، أو فرغت من ذلك كله، فإنه لا غُنية للإنسان عن العلم بالتوحيد، والعلم بالله -جل وعلا-، إذ أنه حقيقة قول الله سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، ولأجل ذلك كان لزامًا علينا التأكيد، والترجيع، والإعادة، والتمام بهذا الباب، تأصيلا، ومراجعة، وتأكيدًا، وعلمًا، وعملاً، دونما شك، أو دونما نقص، أو دونما خلل، فإنَّ ذلك يذهب على الإنسان توحيده، ويفوت عليه إيمانه.
ولا يزال الحديث موصولا فيما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- من الأدلة على شروط: "لا إله إلا الله"، التي هي مفتاح الجنة، وبها النجاة، وبها الفكاك، وهي عنوان الفلاح في الدنيا والآخرة، فما في الدنيا كلمة أعظم من هذه الكلمة، ولا استقر في قلب عبد شيء أعظم من هذا المعنى، ولا فاز أحد في الدنيا والآخرة إلا بتحقيقها والهداية إليها، وعدم الإخلال بها.
فذكرنا شرط العلم، والدليل عليه، وشرط اليقين وتحقيقه،
والمؤلف -رحمه الله- يُبينُ شرط الانقياد، وأن الانقياد لا بد أن يكون للمرء حتى يتحقق توحيده، وفي ذلك قول الله -جل وعلا-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء:65]، ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [النور:51]، وفي هذا قول الله -جل وعلا-: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ﴾ [لقمان:22].
إذًا هو استسلام وانقياد، فلا اعتراض على ما جاء من أحكام، ولا قُرِّرَ في هذه الملة، ولا ما دلت عليه هذه الشريعة، ولا ما جاء في هذا الكتاب، ولا ما جاء به الرسول ﷺ، فالكل واحد ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [النجم:4]، أي: يوحى من عند الله -جل وعلا-.
فوجب على أهل التوحيد والإيمان تحقيق ذلك، وعدم الإخلال به، فلا بد من الانقياد إلى ذلك ملء حياة المرء، وملء أيامه، في قليل الأمور وكثيرها، ولذلك قال النبي ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»، فهذا الدين مُحَكِمٌ للواء، مقيم لها على ما جاءت به النصوص، ودلت عليه السنن.
{قال -رحمه الله-: (ما دليل اشتراط القبول من الكتاب والسنة؟
الجواب: قال الله تعالى في شأن من لم يقبلها: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [الصافات:22] إلى قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات:35-36]، وقال النبي ﷺ:
«مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به مِنَ الهُدَى والعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصابَ أرْضًا، فَكانَ مِنْها نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الماءَ، فأنْبَتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ، وكانَتْ مِنْها أجادِبُ، أمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بها النَّاسَ، فَشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا، وأَصابَتْ مِنْها طائِفَةً أُخْرَى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذلكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ، ونَفَعَهُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بذلكَ رَأْسًا، ولَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ بهِ»)}.
هذا هو دليل القبول، فلا بد للمرء أن يَقبل كل ما جاء عن الله -جل وعلا-، وجاء عن رسوله ﷺ، والقبول ضده الرد، فلا يرد الإنسان ما جاء عن الله، وما جاء عن رسوله ﷺ، والانقياد ضده الترك، والإعراض، والتخلي، والبعد، فلابد من العلم بأن الانقياد والقبول أحدهما يُبْنَى على الآخر، فأصل الأمر إنما هو يقين، فلا يكون عند الإنسان شك ثم قبول، ولا يكون عنده رد ثم انقياد لِمَا قَبِلَ، فلا يمكن أن يكون عند الإنسان شك، ويصح بذلك إيمانه، ولو كان عند الإنسان يقين، ثم ردَّ ما جاء عن الله، أو جاء عن رسوله ﷺ؛ فإنَّ ذلك لا ينفعه عند الله -سبحانه وتعالى-، وإذا كان صاحب يقين وصاحب قبول، ولكنه لم ينقد، يسمع ويترك، يسمع ويهمل، يسمع ويعرض، يسمع ويُقبل على أهوائه وشهواته، فلا يرفع بذلك رأسًا، ولا للتوحيد بالاً، فذلك لا يجدي عليه عند الله -جل وعلا- شيئًا.
ولذلك لا بد من الانقياد والقبول لِمَا جاء عن الله، وجاء عن رسوله ﷺ.
إذًا كل واحد مكمل للآخر، ومشتمل على بعض معناه، فإنه لا يتأتى انقياد إلا بقبول، ولا يكون قبول حقيقة إلا أن يتبعه انقياد، وإلا فإنّ شخصا يقبل ما جاء عن الله وجاء عن رسوله، ثم لا ينقاد، هذا لا بد أن يكون عنده شيء من التردد في القبول، وإلا لو قَبِلَ لانقاد، ولذلك كما صح الاستدلال على الانقياد بقول الله -جل وعلا-: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [النور:51]؛ فإنه دالٌّ على الثاني، فإنه سماع يعني: إجابة وقبول، وطاعة يعني: انقياد وامتثال، فكان دالاً على الأمرين جميعا، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء:65]، ومُقتضى التحكيم هو قبول هذا الحكم، والأخذ به، وإلا لم يُجد على صاحبه شيئا.
وذكر الحديث، وهذا الحديث عظيم جليل، لا ينبغي للإنسان أن يمر عليه مَرَّ الكرام، وأن ينظر إلى نفسه وحاله من هذه الأمثلة، إمَّا من قَبِلَ، وأنبت العشب الكثير، وانتفع الناس به، وما أُرى طالب العلم الذي هو مثلكم، إلا في هذا القسم الذي هو أعلا وأرفعها، وأكثرها نفعا، وأعظم ما يكون ذلك، إذا كان أهلوكم ومن حولكم أحوج إلى العلم، لكثرة الجهل أو لاشتداد الشهوات، أو لازدياد الأهواء، أو لذلك كله، ولا يخلو هذا الزمان المتأخر من هذه الأمور كلها، فإمَّا جهالات متتابعة، وإمَّا علم لكن يُقابله شُبه، لا تزال تحيط بالمرء حتى تُحدق به فتهلكه، أو يكون مع ذلك شيء من الأهواء والشهوات التي تغلب المرء، فتحرفه ذات اليمين وذات الشمال.
والحال الأخرى، هو أن يكون الإنسان ناقلاً للعلم، واعظًا للناس، مُبينًا لِمَا حفظ، فهذه منزلة ثانية، يحصل بها نفع كثير، ولذلك كان لها حَظٌّ من دعوة النبي ﷺ في قوله: «نضَّرَ اللَّهُ امرَءًا سمعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاها كَمَا سَمِعَهَا»[2]، فَنَقلُ العلم وإذاعته بين الناس هو طريق لهدايتهم، وحملهم على الخير، وأعظم البلاء أن لا يرفع الإنسان لذلك رأسه، فلا يزيده سماع العلم إلا إقبالا على شهواته، ورغبة في ملذاته، وطاعة لشيطانه، فذلك هو الوبال والخسران المبين.
{قال -رحمه الله-: (ما دليل اشتراط الإخلاص من الكتاب والسنة؟
الجواب: قال الله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر:3]، وقال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر:2]، وقال النبي ﷺ:
«أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ»[3]، وقال النبي ﷺ: «إنَّ اللَّهَ قدْ حَرَّمَ علَى النَّارِ مَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بذلكَ وجْهَ اللَّهِ»[4])}.
هذا هو دليل الشرط الخامس وهو الإخلاص، والإخلاص هو خلاصة ما تقدم، فبعد أن يعلم الإنسان حقيقة التوحيد ويوقن به، ويقبل وينقاد؛ فإنه لا بد أن يخلص لله في كل عباداته، فلا يدخل عليها شائبة، ولا يشرك معه أحدًا، ولا يصرف شيئًا من العبادات لغير الله -جل وعلا-؛ فإنَّ الله لا يقبل الشرك معه، كما جاء ذلكم في الحديث القدسي: «قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ»[5].
إذًا لا بد من الإخلاص، والإخلاص والخلوص وهو الصفاء والنقاء والتمام، بحيث لا يدخل عليه داخل، فلذلك جاء أيضًا في الحديث القدسي: «يا ابنَ آدمَ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا» يعني: من الأهواء والمعاصي والذنوب ونحوها، «ثُمَّ لَقِيْتَني لاتُشْرِكْ بِيْ شَيْئَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً»[6].
إذًا هذا أصل الأصول، وأس الأسس أن يكون الإنسان على إخلاص في توحيده، وتكميل الإيمان به والاعتقاد، وتخليص العبادات لغير الله -جل وعلا-، ولأجل هذا الأمر انبرى الإمام محمد بن عبد الوهاب لدعوة الناس إلى تحقيق هذا المعنى، والإخلاص فيه، وأن يكون كما أمر الله -جل وعلا-؛ لأنه لا ينفك أناس كثيرون من أن يعلم، وأن يوقن، وأن يقبل، وأن ينقاد، ولكن يعبد الله -جل وعلا- في صلاة أو في صيام أو في حج، حتى إذا جاء دعاء أو ذبح أو نذر، أو حلف، أشرك مع الله غيره، ففسد ذلك كله، أوله وآخره؛ لأنه لا تصح العبادة إلا أن تكون كلها لله -جل وعلا-.
ولذلك استدل بقوله تعالى: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر:3]، وقال تعالى: ﴿فَأَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر:11]، فإذا كان هذا هو أمر الله -جل وعلا- لنبيه، فدلَّ ذلك على أنه أَمْرٌ لكل أمته، أن يخلص العبد لله -جل وعلا-، وأنَّ الإشراك بالله هو سبب للخسران، فلا يكون عبادة إلا لله -سبحانه وتعالى-.
وأسعد الناس بشفاعة النبي ﷺ ليس هو من طلبها من النبي، أو تَعَرَّضَ إليها بالبدع والأهواء، أو بعبادات شركية أو غير ذلك. بل من حقق الإخلاص، ومن حقق العبادة لله -جل وعلا-، فإنَّ الله يُبَلِّغه هذه الدرجة، ويوصله إلى هذه المنزلة، كما جاء في «أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ»، وقول النبي ﷺ: «إنَّ اللَّهَ قدْ حَرَّمَ علَى النَّارِ مَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بذلكَ وجْهَ اللَّهِ».
{قال -رحمه الله-: (ما دليل الصدق من الكتاب والسنة؟
الجواب: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:1-3] إلى آخر الآيات، وقال النبي ﷺ:
«مَا مِن أحَدٍ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِن قَلْبِهِ، إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ علَى النَّارِ»[7].
وقال للأعرابي الذي علمه شرائع الإسلام، إلى أن قال: واللَّهِ لا أزِيدُ علَى هذا ولَا أنْقُصُ مِنْهَا. فقال رسول الله ﷺ: «أفْلَحَ إنْ صَدَقَ»[8])}.
هذا هو الصدق الذي هو شرط من شروط "لا إله إلا الله"، فلابد أن يكون العبد صادقًا فيه غير كاذب، فإنَّ الإنسان قد يعلم ويتيقن، ويقبل وينقاد، ويخلص لله -جل وعلا- لكنه كاذب في ذلك كله، فمن عقد في قلبه الإيمان، ولا توجه إلى الرحمن، فإنما هو إخوان أهل النفاق، فإن ذلك لا يجدي عليه شيء، ولذلك مع إخلاصه وتوجهه إلى الله في عباداته، لا بد أن يكون صادقا، ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:3]، فلا يمكن للإنسان أن يكذب على ربه، ومهما استقر في قلبه من شيء فإنَّ الله يعلمه، فهو علام الغيوب، يعلم السر والغيب كما يعلم الشهادة والعلانية، سبحانه من رب عليم، ولذا لا بد من الصدق.
وكما قلنا: إنَّ هذا المعنى له اختصاص مع ما يشترك في الإخلاص، أو ما يتداخل في اليقين، فإنها كلها مكملات لبعض. والمؤلف -رحمه الله- أورد آية سورة العنكبوت، ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:3]، وهذه السورة كلها دالة على هذا المعنى من افتتاحها إلى اختتامها، وهي حال الذين فُتِنُو عن دينهم، فإما أن يجدوا فيبصروا فيهدوا إلى الحق والهدى، كما ختم الله بذلك السورة، ﴿وَالَّذِينَ جَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69]، وإمَّا أقوام ضلوا في أول الطريق، وذلت بهم القدم عند أول فتنة، فأضاعوا ما قدموا وما أخروا، وما عملوا وما اجتهدوا، فإنَّ ذلك لا يجدي عليهم شيء.
وأورد الحديث في قول النبي ﷺ: «مَا مِن أحَدٍ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِن قَلْبِهِ، إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ علَى النَّارِ»، فلابد أن يكون العبد صادقًا، وذلك من مقتضيات "لا إله إلا الله"، ومما يعتبر فيها، ومن شروطها.
وبين النبي ﷺ حال الصادقين في قصة الأعرابي الذي لَمَّا ذُكِرَت له شرائع الإسلام، وذكر النبي ﷺ أنَّ الله افترضها، قال: واللَّهِ لا أزِيدُ علَى هذا ولَا أنْقُصُ مِنْهَا.
فقال رسول الله ﷺ: «أفْلَحَ إنْ صَدَقَ»، فالصدق في ذلك هو تمام حصول تحقيق التوحيد والقيام به، ولا خير فيمن كذب، ولا خير فيمن أخل، والخير كله إنما هو في الصدق والكمال لتحقيق "لا إله إلا الله".
ولعلنا أن نكتفي بهذا وللحديث بقية في المجلس القادم، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
-----------------------
[1] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (15)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/368) واللفظ لهما، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (209).
[2] أخرجه ابن ماجه (3056) واللفظ له، وأحمد (16738).
[3] رواه البخاري (99).
[4] رواه البخاري (425)، ومسلم (263).
[5] رواه مسلم (2985).
[6] أخرجه الترمذي (3540)، وأحمد (13493).
[7] رواه البخاري (128).
[8] أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11).

دروس ذات صلة